الأحد، 18 مارس 2012

الفيدرالية و تهديدات الأمن القومي

مقدمة :
يقول الكاتب أحمد يوسف عقيلة في إحدى قصصه القصيرة واصفاً سذاجة و فساد منطق مسؤولي النظام الدكتاتوري الذين كانوا يعتلون المراتب و المناصب بدون مستويات علمية و لا خبرات حقيقية تؤهلهم لذلك ، و أحسب أن الكثيرين منهم لازال في منصبه؛ يقول أنه عندما يأتي الحديث عن أهمية التعليم و الكفاءات العلمية يضع أولئك في وجهك الأديب العربي ” العقاد” كمثالٍ للنبوغ بدون تحصيل أكاديمي. و هم بذلك إنما يستشهدون بالشذوذ ليعمموا به  فكرهم و ليبرهنوا على
أحقيتهم و ليثبتوا حججهم الواهية و منطقهم الفاسد.
ما نسمعه الآن من منظري الفيدرالية و و ما نقرأه عنها يكاد لا يختلف شكلاً و مضموناً عن منطق المتشبهين بالعقاد من مسؤولي دولة النظام الفاسد الذي خرجت ليبيا كلها لتسقطه ، و لربما يكون بعضهم هم أنفسهم أولئك الذين يقصدهم الأستاذ عقيلة. فالمنظرون للفيدرالية يضعون في وجهك مثال سويسرا ليغمضوا بها أعيننا عن المألوف و الشائع و المطبق بكل نجاحٍ في دول العالم و لا يريدوننا أن نرى إلا الشذوذ عن القاعدة. و لمزيدٍ من الغيّ ، يضربون لك مثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية و نجاح نظامها و كأن الولايات المتحدة لم تكن سيدة العالم إلا لأنها فيدرالية. في هذه المقالة أود أن أسلط الضوء بالتحليل و بسرد الوقائع التاريخية على مخاطر هذه الدعوة و علاقتها بأمننا القومي و بوجودنا على هذه الرقعة من الأرض و بمستقبل أجيالنا.
ماهية الفيدرالية:
من عدم الإنصاف ، بل من الشطط أن نتغاضى عن كل دول العالم التي نجحت و تطبق الديمقراطية الحقة ، و التي لا تعني بأي حالٍ من الأحوال شكل النظام الإداري للبلاد. الديمقراطية التي تعني أن يصل لأعلى هرم السلطتين التشريعية و التنفيذية ـ و أقول السلطتين و ليست التنفيذية فقط ـ من يعطيه الجمهور من عموم الشعب ثقته ليمثله و ينوب عنه . إن أهم تمثيل للشعب  في نظري هو البرلمان الذي يمثل الرقيب على الحكومة و برامجها و مشاريعها التنموية و كذلك هو المشرّع للقوانين و التشريعات التي تمس حياة الناس في كل المجالات و تنظم علاقة الشعب بالسلطات الثلاثة التشريعية و التنفيذية و القضائية.  و إذا ما نظرنا الى معظم الدول الغربية منها و الشرقية المتقدمة و الديمقراطية ، لا نجدها فيدرالية و إنما مركزية و إن كان تفسير مصطلحمركزية ” لا يعني بالضرورة تمركز السلطات في العاصمة أو في المدن الكبيرة ، و إنما ذلك يعني أن تشريعات و قوانين البلاد تصدر عن برلمانٍ واحد و وحيد و كذلك تصدر القرارات التنفيذية لتلك التشريعات عن حكومة واحدة مع وجود إدارات و صلاحيات للحكم المحلي للمحافظات أو البلديات أو سمّها ما شئت من الإصطلاحات لتنفيذ قرارات و مشاريع و خطط الحكومة على المستوى المحلي.
و كما ضربوا لنا مثلاً بسويسرا يمكن أن نضرب لهم عشرات الأمثال؛ فألمانيا مركزية و ليست فيدرالية و بعد سقوط جدار برلين في تسعينيات القرن الماضي أستمرت الوزارات في عملها منفصلة ـ و ذلك لإختلاف النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية عنه في الغربية ـ لمدة عشر سنوات تم فيها دمج الإدارات في شطري ألمانيا ، و لكن السياسات كانت تصدر عن وزارة واحدة ووحيدة لكل قطاع . و فرنسا مركزية و كذلك إيطاليا و أسبانيا و هولندا و تركيا أيضاً مركزية ، والتي أرسلت مصر عدداً من برلمانييها و ساستها و أقتصادييها لدراسة كيف تخلصت تركيا من الديون التي كانت تقيدها و كذلك كيف تم تطبيق السياسات الإصلاحية السياسية و الإقتصادية للإستفادة منها في مصر.
اليابان كذلك ليست فيدرالية و كذا كوريا الجنوبية  رغم ارتفاع نسمتيهما نسبياً بين سكان العالم ، و لا اريد أن أستشهد بالصين و هي قارة و لا روسيا حتى لا يقول من يصطاد في الماء العكر أنهمكا ليستا دولاً ديمقراطية.  و إذا ما نظرنا إلى وضع ليبيا و خاصة الوضع السياسي الراهن  المتأزم  نجد أن النخب الحقيقية الليبية لم تأخذ مكانها في الصفوف المتقدمة و إنما ملأها أولئك الذين يكادون لا يفقهون في السياسة حديثاً و هذا أغرى من له أغراضٌ في تمرير أفكاره لعموم الأمية السياسية على المشهد العام .  و كذلك إذا ما قارننا وضع ليبيا بوضع  جيراننا الذين سبقونا بالثورات و هما مصر و تونس ، نجد أن مصر ـ  و عدد سكانها يربو عن التسعين مليوناً و تونس و سكانها ضعفنا تقريباً ـ لم يتحدث أي من الشعبين عن الفيدرالية أو تقسيم البلاد. إذاً فلماذا يتحدث البعض و يدعو إلى تقسيم ليبيا علناً؟ أعتقد جازماً أن الكثير من القراء و المحللين لا يحبون تعليق فشلنا ـ نحن كعربٍ عموماً و كليببيين خاصةً ـ على شماعة نظرية المؤامرة. لكننا أيضاً لا نستطيع أن نلغيها من تفكيرنا و خاصةً مع وجود الشواهد هنا و هناك عليها. فمن ذا الذي يستطيع أن ينادي بتقسيم ليبيا بدايةً بأقاليم ثم ـ لو نجح في ذلك ـ تتحول إلى مدن و مقاطعات بدون أن يكون للخارج إصبعٌ في الأمر؟!.
إن الحاذق هو من أعترف بداءه و شق جلده و داوى جراحه، أما العاجز فهو الذي يهمل داءه و يحدّث نفسه بأنه قوي صحيح و يغرّه طول الأمل  حتى يستشري الداء و يقضي عليه. لذلك وجب علينا كليبيين أن نفتح عن جراحنا لنداويها لا أن نضع عليها ملحاً ، و هذا ما نحاوله هنا.  و لنستعرض ما وصل إليه حالنا في الجزء الثاني من هذه المقالة حيث سنناقش بالتفصيل مخاطر الفيدرالية و الدعوات للجهوية و ما ينتج عنها من تقطيع للوطن.
الجزء الثاني من مقالة  ” الفيدرالية و تهديدات الأمن القومي
تلخيص لما سبق:
في الجزء الأول ناقشت المقالة علاقة الديمقراطية  بالفيدرالية و أوضحت في أيجاز أن معظم دول العالم الديمقراطي لا تتبنى حقيقةً النظام الفيدرالي كنظام إداري لشؤون مدنها و مناطقها. أيضاً تعرض النقاش للمقارنة بين معنى الديمقراطية في إنتخاب الحكومة و البرلمان و معنى نظام الحكم المحلي للبلديات أو المحافظات و عدم وجود علاقة حقيقية بين معنى الفيدرالية و الديمقراطية إلا من خلال الممارسات التي يحدثها الحراك السياسي الديمقراطي . في هذا الجزء تناقش المقالة أخطار دعوى الفيدرالية  على وحدة ليبيا الوطنية و توضح ماهية هذه الأخطار.
أخطار الفيدرالية :
أولاً: ما أغرى هؤلاء الذين يدعون للفيدرالية بالحديث و تبييت النية لتقسيم ليبيا  إلا غياب القوة التي تحمي وحدة ليبيا و هي الجيش الوطني. فلا نتخيل أن أعيان ” الصعيد” في مصر مثلاً يستطيعون أن يعلنوا الصعيد أقليماً و يسمونه ” أقليم الوجه القبلي ” مثلاً أو يستطيع من يطلقون عليهم في تونس إسم ” السواحلية” أن يعلنوا ” تونس الكبرى” أقليما مستقلاً عن باقي التراب التونسي!. إن من يضربون مثلاً بفدرالية الولايات المتحدة نسوا ـ أو أظنهم لا يعرفون أصلاً ـ أن أمريكا حاربت الانفصاليين لمدة أربع سنوات. ففي عام 1861 و بعد إنتخاب الرئيس إبراهم لنكولن رئيساً للولايات المتحدة و إعلان إلغاء العبودية ، أعلنت 11 ولاية جنوبية رفضها إلغاء الرقّ و حاولت تشكيل ما سمي ” بكونفدرالية الولايات الامريكية”. أعلنت الولايات الشمالية الحرب لتوحيد البلاد و عددها 25 ولاية و انتهت الحرب عام 1865 بتوحيد أمريكا و إلغاء العبودية. في ذلك الوقت لم تكن أمريكا عظمى و إنما بريطانيا و فرنسا و أسبانيا و حتى البرتغال كانت الامم السائدة ، لكن ذلك لم يمنع الأمة الأمريكية من أن تقول كلمتها و تتوحد و لو  بقوة السلاح و هذا ما يجعل الأمم تبقى  و تنهض و تتقدم. من غريب المصادفة هنا أن  أدبيات التاريخ الامريكي أكدت أن بعض العبيد بعد تحريرهم بفترة من مزارع الرقّ في الجنوب عادوا الى نفس المزارع و إلى سادتهم و طلبوا العمل كما كانوا على أن يوفر لهم السيد المأوى و المأكل كما كانوا يعيشون . إنهم ببساطة لم يتعودوا العيش بحرية. هل يذكرنا هذا بمن يدعون للفدرالية و محاولتهم خلق سيدٍ دكتاتورٍ لهم بعد هلاك الطاغية؟!! لربما نحتاج أن نراجع قائمة أسماءهم و صفاتهم!!!
ثانياً: إن أي صدامٍ داخلي في أي دولة ، و بصرف النظر عن مسبباته سواءً كانت أقتصادية أم سياسية أم أثنية هو مهدد حقيقي للأمن القومي للدولة و للسلم الإجتماعي فيها. لذلك فالدولة ـ شعباً و حكومةً و جيشاً ـ تقوم بما يلزم لوأد أي صدام أو نزاعٍ قد ينشأ. من جهةٍ أخرى ـ و هذه قاعدة أمنية من قواعد الأمن القومي و الدراسات الإستراتيجية ـ فإن كل صراعٍ داخليٍّ في أي دولةٍ كانت ، لابد أن يتدخل فيه جيرانها المحادين لها جغرافياً إما دعماً للدولة لوأد الصراع و إما دعماً للصراع و إذكاءه.  و لنا فيما كان يفعله القذافي في دارفور و تشاد و النيجر أمثلةً تعرفونها. إذاً فلننظر من يريد الإستقرار لليبيا و من يريد أن يفشل ثورة شعبنا و يظهرها كأداةٍ لتقسيم البلاد وخلق حربٍ أهلية ، و من له مصالح و مآرب أخرى.
ثالثاً: إن إستراتيجيات التخطيط في الدول الغربية و خاصةً على مستوى الدفاع و السياسات الخارجية لا تركن إلى وضع خطةٍ واحدةٍ للتعامل مع أي شأن يطرأ أو تكون لهذ الدول مصلحةٌ فيه، و هذا ينطبق على تعامل الدول الغربية و على رأسها الولايات المتحدة مع الشأن الليبي. و كمثالٍ على ذلك فعند وضع الخطط أمام متخذي القرارفي أزمة  نصب الصواريخ النووية الروسية في كوبا عام 1961 ، فإن الخطط تكونت من اثنتي عشر خطةً بدأت بالخطة التي تقول ” لا نفعل شيئاً”  و نترك الروس ينصبون الصواريخ في خاصرة أمريكا ، و انتهت بالتي تقول ” بالحرب الشاملة على كوبا و الإتحاد السوفييتي”.  في مرحلةٍ لاحقة بقيت ست خطط من بينها الحرب الخاطفة على كوبا أو دعم أنقلاب داخلي على كاسترو أو هجوم جوي على مواقع بناء المنصات و تدميرها. و في آخر الأمر أستقر رأي الرئيس جون كندي على خطة الحصار البحري و عدم السماح للرؤوس النووية  بالوصول الي الجزيرة الكوبية . إذاً فالتخطيط الإستراتيجي للدول الكبرى و الغربية لا يركن أبداً و لا يعتمد على خطةٍ واحدة لضمان مصالحه، و لقد أشارت وزيرة الخارجية كلينتون في عدة مرات قبل تحرير ليبيا بالكامل الى أحتمال تعرض ليبيا للتقسيم ، و لا يظن أحدٌ أن وزيرة الخارجية تلقي الكلام على عواهنه كما يفعل بعض من يظنون أنهم يمارسون السياسة عندنا . و الحال كذلك ، فإن مبدأ التقسيم ، و إن رفضه الغرب بعد أن قبل به القذافي و صرح بأنه يقبل أن يوقف القتال على ان تبقى أجدابيا تحت مراقبة الاتحاد الافريقي في رسالةٍ للغرب بقبوله ، إلا أنه ـ أي التقسيم ـ ظلّ خياراً على طاولة الغرب. و لربما هذا ما يحاولونه الآن و لربما هذا هو السبب الحقيقي وراء عرقلة تكوين الجيش الوطني القوي الموحد الذي يمكن أن يصدّ هكذا أفكار و هكذا تصريحات و مناورات سياسية غير مسؤولة.
رابعاً: من يقف وراء الدعوة للفيدرالية قد لا يعي ما تعنيه و ما تحويه من خطرٍ يهدد أمن ليبيا و سلمها و يضعها تحت خطر الحرب الأهلية كما يريد لها عدوها الأول القذافي و أعوانه و مريديه و كما يريد لها أعداءها الخارجيون و هم ليسوا بالقليل. و إذا ما نظرنا إلى الأمر عن قرب فإن قد نرى أن من وراء الدعوة للفيدرالية  لا يدرك أن سلوكيات الأفراد و القبائل قد تغيرت و المصالح قد تبدلت و الإدراك و الوعي بالأمور ليس كما كان،  و لا أظنه بحالٍ من الأحوال يدرك أي نارٍ ينفخ فيها . و لكننا هنا أيضاً لا نهمل أنه ربما فقط يريد أن يضمن له مكاناً على الخارطة السياسية و في هذه الحال كان أجدى له و أجدر به أن يدعو إلى تشكيل حزبٍ أو تيارٍ سياسيٍّ  و ان لا يدعو الى تقطيع أوصال الوطن بدعوى المطالبة بالعدالة التي فقدتها كل مدن ليبيا تحت حكم الطاغية.
خامساً : سأمضي حتى النهاية مع مؤيدي و منظري الفيدرالية و لننظر الى أين ستفضي بنا أفكارهم. لنفرض جدلاً أننا أتفقنا على هذه الفيدرالية و لنتحدث عن برقة. إن أول سؤالٍ يطفو للسطح هو أين تنتهي حدودها ؟ و الثاني ما هي عاصمتها؟ و الثالث كيف سيكون نظامها الإداري الأقليمي؟. إن الفيدراليات في العالم أجمع ـ من قبل أن تتوحد  و بعد توحدها  ـ  تعرف حدودها وهي مرسمة و موثقة و لقد وقفت بنفسي على حدود بين ولايتين في دولةٍ فيدرالية و كانت أحجار الحدّ مزروعةً تحت جدوع الأشجار بحيث تعرف كل ولايةٍ آخر شجرةٍ لها. و ماذا عن ليبيا التي أطلق عليها خبير الأمم المتحدة قبل الإستقلال إسم ” صندوق الرمال”؟ كيف ستعرف برقة آخر حبة رمل تحدها مع طرابلس أو فزان؟ و إذا ما عرفت فما هي عاصمتها؟ لنقل أنها بنغازي. حسناً ، و كيف سيكون التمثيل البرلماني فيها؟ سيقول قائلٌ إن التمثيل حسب التعداد السكاني للمدن و حسب الكثافة السكانية . فمثلاً بنغازي يكون لها 30 مقعداُ بينما أجدابيا 15 و درنة 17 و هكذا و هذا كلامٌ جيد. و كيف سيتم فعلياً تقسيم الموارد و الخدمات و التي هي مربط الفرس و سبب كل هذا الصداع؟ سيقولون لك تقسم حسب تعداد السكان و حسب إحتياجات تلك المدن و المناطق للخدمات. فمثلاً درنة بها مستشفى و لا تحتاج إلى مستشفىً آخر بينما إجدابيا تحتاج إلى بناء مستشفى. و هنا سيحدث أمران لا ثالث لهما. إما أن تأخذ كل مدينةٍ حصتها العادلة من التنمية و الثروة متمثلة في الخدمات حسب إحتياجاتها و حسب توزيع السكان من خلال مطالبة أعضاء البرلمان بحقوق مناطقهم ، و إما أن تستأثر العاصمة ” بنغازي” و بعض المدن  بالمشاريع و التنمية و تهمل المدن الأصغر و المناطق البعيدة مثل الكفرة و طبرق و غيرها . وفي حال حصول الأمر الأخير فكأنك ” يابوزيد ما غزيت” ، و عدنا إلى الظلم الأجتماعي و السياسي و الإقتصادي . و إذا ما فرضنا نجاح الفيدرالية في برقة مثلاً ، فإن نجاحها ليس لأنها فيدرالية و لكن لأن البرلمان الفيدرالي يراقب عمل الحكومة المحلية أو الفيدرالية و يحرص على تقسيم و توزيع الثروة و الخدمات و التنمية بشكلٍ متساوٍ و عادل بين مدن و قرى و مناطق الإقليم أو الفيدرالية إن شئت. و إذا ما أقررنا بذلك فالسؤال هو لماذا لا تكون ليبيا كلها ” برقة” ، و لماذا لا يكون هذا البرلمان هو نفس البرلمان لليبيا موحدة وواحدة و لماذا لا تعمل حكومة ليبيا بنفس الكفاءة و يراقبها برلماننا بنفس الجدية ليضمن العدالة لكل ربوع ليبيا؟!!!
إن مشكلتكم يا من تريدون فدرلة ليبيا و تقطيع جسدها ليس المركزية . و لم تكن يوماً مشكلة بنغازي ولا البيضاء و لا طبرق و لا أي من مدن الشرق أو الغرب أو الجنوب هي المركزية. و لا يظن أحدٌ أن طرابلس هي دبي أو نيويورك ، فكلكم تعرفونها و تقيمون في فنادقها و تمرون بشوارعها . و لا أريد أن أذكركم أن أغلب سكانها يعيشون في قرجي و الشرقية و غوط الشعال و أبي سليم و سوق الجمعة و كلها تفتقر للخدمات و المرافق . فليست طرابلس فقط الخمس شوارع التي بناها الإيطاليون و التى لم يزد عليها القذافي شيئاً . و لكن المشكلة كانت في سياسات نظام القذافي من تجويع شعبنا و قمعه و التضييق عليه ، و لربما يكون قمعه لبنغازي و مدن الشرق أكبر و لكن الحل ليس أبداً في تقطيع البلاد.
إن الحل يكمن في برلمانٍ قوي و واعٍ و يمثل مناطقه و يحرص على مصالح ممثليه ، وكذلك في حكومةٍ منتخبةٍ ديمقراطياً لديها برنامج عملٍ و خططٍ لصالح البلاد و العباد . ذلك هو ما يجعل المركزية لا معنى لها من الناحية الإدارية و إنما يؤكد مبدأ الإدارة المنبسطة و يقوي من صلاحيات الحكم المحلي للمحافظات و البلديات.
خاتمة : إن الفيدرالية في ظاهرها تدعو إلى العدالة اللإقتصادية و توزيع الخدمات و الثروات و لكنها في باطنها ليست إلا نافخ كير قد يدخل البلاد في أتون حربٍ أهليةٍ على مصادر الثروة و تنازع النفوذ  ، و الفيدرالية تذكي التنازع القبلي إذا لم يقم وجهاء و عقلاء القبائل و المدن بالتصدي لهذه النزعة الجهوية. لقد أفلحت تونس في وأدها من خلال تفعيل الأحزاب السياسية و إشراك الجميع في الحراك السياسي ، و لم يجرؤ مريدوا التقسيم على الهمس بذلك في مصر لوجود جيش قوي يحرص على وحدة البلاد. إننا في ليبيا يجب أن نعي أن الأمن القومي فوق كل الإعتبارات السياسية أو الإقتصادية و هو يبدأ و ينتهي عند المحافظة على الوحدة الوطنية، و على المناطق و القبائل و المدن و القرى و التجمعات السياسية و الأفراد و الجماعات أن تقدم مصلحة الوطن العليا على مصالحها مهما كانت الظروف و مهما كانت النتائج، فكلنا في مركب ليبيا العزيزة ، إما أن نبحر و إما ان نغرق جميعاً. و لكننا نؤمن بالله و بعزيمة شعبنا و إصراره على النصر النجاح و البقاء فوق أرضه.
و الله من وراء القصد
ناصر بن خليفة
باحث في الدراسات الإستراتيجية
11 مارس 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق