مقدمة :
يقول الكاتب أحمد يوسف عقيلة في إحدى قصصه
القصيرة واصفاً سذاجة و فساد منطق مسؤولي النظام الدكتاتوري الذين كانوا يعتلون
المراتب و المناصب بدون مستويات علمية و لا خبرات حقيقية تؤهلهم لذلك ، و أحسب أن
الكثيرين منهم لازال في منصبه؛ يقول أنه عندما يأتي الحديث عن أهمية التعليم و
الكفاءات العلمية يضع أولئك في وجهك الأديب العربي ” العقاد” كمثالٍ للنبوغ بدون تحصيل
أكاديمي. و هم بذلك إنما يستشهدون بالشذوذ ليعمموا به فكرهم و ليبرهنوا على
أحقيتهم و ليثبتوا حججهم الواهية و منطقهم الفاسد.
ما نسمعه الآن من منظري الفيدرالية و و ما
نقرأه عنها يكاد لا يختلف شكلاً و مضموناً عن منطق المتشبهين بالعقاد من مسؤولي
دولة النظام الفاسد الذي خرجت ليبيا كلها لتسقطه ، و لربما يكون بعضهم هم أنفسهم
أولئك الذين يقصدهم الأستاذ عقيلة. فالمنظرون للفيدرالية يضعون في وجهك مثال
سويسرا ليغمضوا بها أعيننا عن المألوف و الشائع و المطبق بكل نجاحٍ في دول العالم
و لا يريدوننا أن نرى إلا الشذوذ عن القاعدة. و لمزيدٍ من الغيّ ، يضربون لك مثلاً
بالولايات المتحدة الأمريكية و نجاح نظامها و كأن الولايات المتحدة لم تكن سيدة
العالم إلا لأنها فيدرالية. في هذه المقالة أود أن أسلط الضوء بالتحليل و بسرد
الوقائع التاريخية على مخاطر هذه الدعوة و علاقتها بأمننا القومي و بوجودنا على
هذه الرقعة من الأرض و بمستقبل أجيالنا.
ماهية
الفيدرالية:
من عدم الإنصاف ، بل من الشطط أن نتغاضى عن
كل دول العالم التي نجحت و تطبق الديمقراطية الحقة ، و التي لا تعني بأي حالٍ من
الأحوال شكل النظام الإداري للبلاد. الديمقراطية التي تعني أن يصل لأعلى هرم
السلطتين التشريعية و التنفيذية ـ و أقول السلطتين و ليست التنفيذية فقط ـ من
يعطيه الجمهور من عموم الشعب ثقته ليمثله و ينوب عنه . إن أهم تمثيل للشعب
في نظري هو البرلمان الذي يمثل الرقيب على الحكومة و برامجها و مشاريعها التنموية
و كذلك هو المشرّع للقوانين و التشريعات التي تمس حياة الناس في كل المجالات و
تنظم علاقة الشعب بالسلطات الثلاثة التشريعية و التنفيذية و القضائية. و إذا
ما نظرنا الى معظم الدول الغربية منها و الشرقية المتقدمة و الديمقراطية ، لا
نجدها فيدرالية و إنما مركزية و إن كان تفسير مصطلح ” مركزية ” لا يعني بالضرورة تمركز السلطات في
العاصمة أو في المدن الكبيرة ، و إنما ذلك يعني أن تشريعات و قوانين البلاد تصدر
عن برلمانٍ واحد و وحيد و كذلك تصدر القرارات التنفيذية لتلك التشريعات عن حكومة
واحدة مع وجود إدارات و صلاحيات للحكم المحلي للمحافظات أو البلديات أو سمّها ما
شئت من الإصطلاحات لتنفيذ قرارات و مشاريع و خطط الحكومة على المستوى المحلي.
و كما ضربوا لنا مثلاً بسويسرا يمكن أن نضرب
لهم عشرات الأمثال؛ فألمانيا مركزية و ليست فيدرالية و بعد سقوط جدار برلين في
تسعينيات القرن الماضي أستمرت الوزارات في عملها منفصلة ـ و ذلك لإختلاف النظام
الشيوعي في ألمانيا الشرقية عنه في الغربية ـ لمدة عشر سنوات تم فيها دمج الإدارات
في شطري ألمانيا ، و لكن السياسات كانت تصدر عن وزارة واحدة ووحيدة لكل قطاع . و فرنسا مركزية و كذلك إيطاليا و أسبانيا و
هولندا و تركيا أيضاً مركزية ، والتي أرسلت مصر عدداً من برلمانييها و ساستها و
أقتصادييها لدراسة كيف تخلصت تركيا من الديون التي كانت تقيدها و كذلك كيف تم
تطبيق السياسات الإصلاحية السياسية و الإقتصادية للإستفادة منها في مصر.
اليابان كذلك ليست فيدرالية و كذا كوريا
الجنوبية رغم ارتفاع نسمتيهما نسبياً بين سكان العالم ، و لا اريد أن أستشهد
بالصين و هي قارة و لا روسيا حتى لا يقول من يصطاد في الماء العكر أنهمكا ليستا
دولاً ديمقراطية. و إذا ما نظرنا إلى وضع ليبيا و خاصة الوضع السياسي
الراهن المتأزم نجد أن النخب الحقيقية الليبية لم تأخذ مكانها في
الصفوف المتقدمة و إنما ملأها أولئك الذين يكادون لا يفقهون في السياسة حديثاً و
هذا أغرى من له أغراضٌ في تمرير أفكاره لعموم الأمية السياسية على المشهد العام .
و كذلك إذا ما قارننا وضع ليبيا بوضع جيراننا الذين سبقونا بالثورات و
هما مصر و تونس ، نجد أن مصر ـ و عدد سكانها يربو عن التسعين مليوناً و تونس
و سكانها ضعفنا تقريباً ـ لم يتحدث أي من الشعبين عن الفيدرالية أو تقسيم البلاد.
إذاً فلماذا يتحدث البعض و يدعو إلى تقسيم ليبيا علناً؟ أعتقد جازماً أن الكثير من
القراء و المحللين لا يحبون تعليق فشلنا ـ نحن كعربٍ عموماً و كليببيين خاصةً ـ
على شماعة نظرية المؤامرة. لكننا أيضاً لا نستطيع أن نلغيها من تفكيرنا و خاصةً مع
وجود الشواهد هنا و هناك عليها. فمن ذا الذي يستطيع أن ينادي بتقسيم ليبيا بدايةً
بأقاليم ثم ـ لو نجح في ذلك ـ تتحول إلى مدن و مقاطعات بدون أن يكون للخارج إصبعٌ
في الأمر؟!.
إن الحاذق هو من أعترف بداءه و شق جلده و
داوى جراحه، أما العاجز فهو الذي يهمل داءه و يحدّث نفسه بأنه قوي صحيح و يغرّه
طول الأمل حتى يستشري الداء و يقضي عليه. لذلك وجب علينا كليبيين أن نفتح عن
جراحنا لنداويها لا أن نضع عليها ملحاً ، و هذا ما نحاوله هنا. و لنستعرض ما
وصل إليه حالنا في الجزء الثاني من هذه المقالة حيث سنناقش بالتفصيل مخاطر
الفيدرالية و الدعوات للجهوية و ما ينتج عنها من تقطيع للوطن.
الجزء
الثاني من مقالة ” الفيدرالية و تهديدات الأمن القومي ”
تلخيص
لما سبق:
في الجزء الأول ناقشت المقالة علاقة
الديمقراطية بالفيدرالية و أوضحت في أيجاز أن معظم دول العالم الديمقراطي لا
تتبنى حقيقةً النظام الفيدرالي كنظام إداري لشؤون مدنها و مناطقها. أيضاً تعرض
النقاش للمقارنة بين معنى الديمقراطية في إنتخاب الحكومة و البرلمان و معنى نظام
الحكم المحلي للبلديات أو المحافظات و عدم وجود علاقة حقيقية بين معنى الفيدرالية
و الديمقراطية إلا من خلال الممارسات التي يحدثها الحراك السياسي الديمقراطي . في هذا الجزء تناقش المقالة أخطار دعوى
الفيدرالية على وحدة ليبيا الوطنية و توضح ماهية هذه الأخطار.
أخطار الفيدرالية :
أولاً: ما أغرى هؤلاء الذين يدعون للفيدرالية
بالحديث و تبييت النية لتقسيم ليبيا إلا غياب القوة التي تحمي وحدة ليبيا و
هي الجيش الوطني. فلا نتخيل أن أعيان ” الصعيد” في مصر مثلاً يستطيعون أن يعلنوا
الصعيد أقليماً و يسمونه ” أقليم الوجه القبلي ” مثلاً أو يستطيع من يطلقون عليهم
في تونس إسم ” السواحلية” أن يعلنوا ” تونس الكبرى” أقليما مستقلاً عن باقي التراب
التونسي!. إن من يضربون مثلاً بفدرالية الولايات المتحدة نسوا ـ أو أظنهم لا
يعرفون أصلاً ـ أن أمريكا حاربت الانفصاليين لمدة أربع سنوات. ففي عام 1861
و بعد إنتخاب الرئيس إبراهم
لنكولن رئيساً للولايات المتحدة و إعلان إلغاء العبودية ، أعلنت 11 ولاية جنوبية
رفضها إلغاء الرقّ و حاولت تشكيل ما سمي ” بكونفدرالية الولايات الامريكية”. أعلنت
الولايات الشمالية الحرب لتوحيد البلاد و عددها 25 ولاية و انتهت الحرب عام 1865
بتوحيد أمريكا و إلغاء العبودية. في ذلك الوقت لم تكن أمريكا عظمى و إنما بريطانيا
و فرنسا و أسبانيا و حتى البرتغال كانت الامم السائدة ، لكن ذلك لم يمنع الأمة الأمريكية
من أن تقول كلمتها و تتوحد و لو بقوة السلاح و هذا ما يجعل الأمم تبقى
و تنهض و تتقدم. من غريب المصادفة هنا أن أدبيات التاريخ الامريكي
أكدت أن بعض العبيد بعد تحريرهم بفترة من مزارع الرقّ في الجنوب عادوا الى نفس
المزارع و إلى سادتهم و طلبوا العمل كما كانوا على أن يوفر لهم السيد المأوى و
المأكل كما كانوا يعيشون . إنهم ببساطة لم يتعودوا العيش بحرية. هل يذكرنا هذا بمن
يدعون للفدرالية و محاولتهم خلق سيدٍ دكتاتورٍ لهم بعد هلاك الطاغية؟!! لربما
نحتاج أن نراجع قائمة أسماءهم و صفاتهم!!!
ثانياً: إن أي صدامٍ داخلي في أي دولة ، و
بصرف النظر عن مسبباته سواءً كانت أقتصادية أم سياسية أم أثنية هو مهدد حقيقي
للأمن القومي للدولة و للسلم الإجتماعي فيها. لذلك فالدولة ـ شعباً و حكومةً و
جيشاً ـ تقوم بما يلزم لوأد أي صدام أو نزاعٍ قد ينشأ. من جهةٍ أخرى ـ و هذه قاعدة
أمنية من قواعد الأمن القومي و الدراسات الإستراتيجية ـ فإن كل صراعٍ داخليٍّ في
أي دولةٍ كانت ، لابد أن يتدخل فيه جيرانها المحادين لها جغرافياً إما دعماً للدولة
لوأد الصراع و إما دعماً للصراع و إذكاءه. و لنا فيما كان يفعله القذافي في
دارفور و تشاد و النيجر أمثلةً تعرفونها. إذاً فلننظر من يريد الإستقرار لليبيا و
من يريد أن يفشل ثورة شعبنا و يظهرها كأداةٍ لتقسيم البلاد وخلق حربٍ أهلية ، و من
له مصالح و مآرب أخرى.
ثالثاً: إن إستراتيجيات التخطيط في الدول
الغربية و خاصةً على مستوى الدفاع و السياسات الخارجية لا تركن إلى وضع خطةٍ
واحدةٍ للتعامل مع أي شأن يطرأ أو تكون لهذ الدول مصلحةٌ فيه، و هذا ينطبق على
تعامل الدول الغربية و على رأسها الولايات المتحدة مع الشأن الليبي. و كمثالٍ على
ذلك فعند وضع الخطط أمام متخذي القرارفي أزمة نصب الصواريخ النووية الروسية في
كوبا عام 1961 ، فإن الخطط تكونت من اثنتي عشر
خطةً بدأت بالخطة التي تقول ” لا نفعل شيئاً” و نترك الروس ينصبون الصواريخ
في خاصرة أمريكا ، و انتهت بالتي تقول ” بالحرب الشاملة على كوبا و الإتحاد
السوفييتي”. في مرحلةٍ لاحقة بقيت ست خطط من بينها الحرب الخاطفة على كوبا
أو دعم أنقلاب داخلي على كاسترو أو هجوم جوي على مواقع بناء المنصات و تدميرها. و
في آخر الأمر أستقر رأي الرئيس جون كندي على خطة الحصار البحري و عدم السماح
للرؤوس النووية بالوصول الي الجزيرة الكوبية . إذاً فالتخطيط الإستراتيجي
للدول الكبرى و الغربية لا يركن أبداً و لا يعتمد على خطةٍ واحدة لضمان مصالحه، و لقد
أشارت وزيرة الخارجية كلينتون في عدة مرات قبل تحرير ليبيا بالكامل الى أحتمال
تعرض ليبيا للتقسيم ، و لا يظن أحدٌ أن وزيرة الخارجية تلقي الكلام على عواهنه كما
يفعل بعض من يظنون أنهم يمارسون السياسة عندنا . و الحال كذلك ، فإن مبدأ التقسيم
، و إن رفضه الغرب بعد أن قبل به القذافي و صرح بأنه يقبل أن يوقف القتال على ان
تبقى أجدابيا تحت مراقبة الاتحاد الافريقي في رسالةٍ للغرب بقبوله ، إلا أنه ـ أي
التقسيم ـ ظلّ خياراً على طاولة الغرب. و لربما هذا ما يحاولونه الآن و لربما هذا
هو السبب الحقيقي وراء عرقلة تكوين الجيش الوطني القوي الموحد الذي يمكن أن يصدّ
هكذا أفكار و هكذا تصريحات و مناورات سياسية غير مسؤولة.
رابعاً: من يقف وراء الدعوة للفيدرالية قد لا
يعي ما تعنيه و ما تحويه من خطرٍ يهدد أمن ليبيا و سلمها و يضعها تحت خطر الحرب
الأهلية كما يريد لها عدوها الأول القذافي و أعوانه و مريديه و كما يريد لها
أعداءها الخارجيون و هم ليسوا بالقليل. و إذا ما نظرنا إلى الأمر عن قرب فإن قد
نرى أن من وراء الدعوة للفيدرالية لا يدرك أن سلوكيات الأفراد و القبائل قد تغيرت
و المصالح قد تبدلت و الإدراك و الوعي بالأمور ليس كما كان، و لا أظنه بحالٍ
من الأحوال يدرك أي نارٍ ينفخ فيها . و لكننا هنا أيضاً لا نهمل أنه ربما فقط يريد
أن يضمن له مكاناً على الخارطة السياسية و في هذه الحال كان أجدى له و أجدر به أن
يدعو إلى تشكيل حزبٍ أو تيارٍ سياسيٍّ و ان لا يدعو الى تقطيع أوصال الوطن
بدعوى المطالبة بالعدالة التي فقدتها كل مدن ليبيا تحت حكم الطاغية.
خامساً : سأمضي حتى النهاية مع مؤيدي و منظري
الفيدرالية و لننظر الى أين ستفضي بنا أفكارهم. لنفرض جدلاً أننا أتفقنا على هذه
الفيدرالية و لنتحدث عن برقة. إن أول سؤالٍ يطفو للسطح هو أين تنتهي حدودها ؟ و
الثاني ما هي عاصمتها؟ و الثالث كيف سيكون نظامها الإداري الأقليمي؟. إن الفيدراليات
في العالم أجمع ـ من قبل أن تتوحد و بعد توحدها ـ تعرف حدودها
وهي مرسمة و موثقة و لقد وقفت بنفسي على حدود بين ولايتين في دولةٍ فيدرالية و
كانت أحجار الحدّ مزروعةً تحت جدوع الأشجار بحيث تعرف كل ولايةٍ آخر شجرةٍ لها. و
ماذا عن ليبيا التي أطلق عليها خبير الأمم المتحدة قبل الإستقلال إسم ” صندوق
الرمال”؟ كيف ستعرف برقة آخر حبة رمل تحدها مع طرابلس أو فزان؟ و إذا ما عرفت فما
هي عاصمتها؟ لنقل أنها بنغازي. حسناً ، و كيف سيكون التمثيل البرلماني فيها؟ سيقول
قائلٌ إن التمثيل حسب التعداد السكاني للمدن و حسب الكثافة السكانية . فمثلاً
بنغازي يكون لها 30 مقعداُ بينما أجدابيا 15 و درنة 17 و هكذا و هذا كلامٌ جيد. و
كيف سيتم فعلياً تقسيم الموارد و الخدمات و التي هي مربط الفرس و سبب كل هذا
الصداع؟ سيقولون لك تقسم حسب تعداد السكان و حسب إحتياجات تلك المدن و المناطق للخدمات.
فمثلاً درنة بها مستشفى و لا تحتاج إلى مستشفىً آخر بينما إجدابيا تحتاج إلى بناء
مستشفى. و هنا سيحدث أمران لا ثالث لهما. إما أن تأخذ كل مدينةٍ حصتها العادلة من
التنمية و الثروة متمثلة في الخدمات حسب إحتياجاتها و حسب توزيع السكان من خلال مطالبة
أعضاء البرلمان بحقوق مناطقهم ، و إما أن تستأثر العاصمة ” بنغازي” و بعض
المدن بالمشاريع و التنمية و تهمل المدن الأصغر و المناطق البعيدة مثل
الكفرة و طبرق و غيرها . وفي حال حصول الأمر الأخير فكأنك ” يابوزيد ما غزيت” ، و
عدنا إلى الظلم الأجتماعي و السياسي و الإقتصادي . و إذا ما فرضنا نجاح الفيدرالية
في برقة مثلاً ، فإن نجاحها ليس لأنها فيدرالية و لكن لأن البرلمان الفيدرالي يراقب
عمل الحكومة المحلية أو الفيدرالية و يحرص على تقسيم و توزيع الثروة و الخدمات و
التنمية بشكلٍ متساوٍ و عادل بين مدن و قرى و مناطق الإقليم أو الفيدرالية إن شئت.
و إذا ما أقررنا بذلك فالسؤال هو لماذا لا تكون ليبيا كلها ” برقة” ، و لماذا
لا يكون هذا البرلمان هو نفس البرلمان لليبيا موحدة وواحدة و لماذا لا تعمل
حكومة ليبيا بنفس الكفاءة و يراقبها برلماننا بنفس الجدية ليضمن العدالة لكل ربوع
ليبيا؟!!!
إن مشكلتكم يا من تريدون فدرلة ليبيا و تقطيع
جسدها ليس المركزية . و لم تكن يوماً مشكلة بنغازي ولا البيضاء و لا طبرق و لا أي
من مدن الشرق أو الغرب أو الجنوب هي المركزية. و لا يظن أحدٌ أن طرابلس هي دبي أو
نيويورك ، فكلكم تعرفونها و تقيمون في فنادقها و تمرون بشوارعها . و لا أريد أن أذكركم
أن أغلب سكانها يعيشون في قرجي و الشرقية و غوط الشعال و أبي سليم و سوق الجمعة و
كلها تفتقر للخدمات و المرافق . فليست طرابلس فقط الخمس شوارع التي بناها
الإيطاليون و التى لم يزد عليها القذافي شيئاً . و لكن المشكلة كانت في سياسات
نظام القذافي من تجويع شعبنا و قمعه و التضييق عليه ، و لربما يكون قمعه لبنغازي و
مدن الشرق أكبر و لكن الحل ليس أبداً في تقطيع البلاد.
إن الحل يكمن في برلمانٍ قوي و واعٍ و يمثل
مناطقه و يحرص على مصالح ممثليه ، وكذلك في حكومةٍ منتخبةٍ ديمقراطياً لديها
برنامج عملٍ و خططٍ لصالح البلاد و العباد . ذلك هو ما يجعل المركزية لا معنى لها
من الناحية الإدارية و إنما يؤكد مبدأ الإدارة المنبسطة و يقوي من صلاحيات الحكم المحلي
للمحافظات و البلديات.
خاتمة : إن الفيدرالية في ظاهرها تدعو إلى
العدالة اللإقتصادية و توزيع الخدمات و الثروات و لكنها في باطنها ليست إلا نافخ
كير قد يدخل البلاد في أتون حربٍ أهليةٍ على مصادر الثروة و تنازع النفوذ ،
و الفيدرالية تذكي التنازع القبلي إذا لم يقم وجهاء و عقلاء القبائل و المدن
بالتصدي لهذه النزعة الجهوية. لقد أفلحت تونس في وأدها من خلال تفعيل الأحزاب
السياسية و إشراك الجميع في الحراك السياسي ، و لم يجرؤ مريدوا التقسيم على الهمس بذلك
في مصر لوجود جيش قوي يحرص على وحدة البلاد. إننا في ليبيا يجب أن نعي أن الأمن
القومي فوق كل الإعتبارات السياسية أو الإقتصادية و هو يبدأ و ينتهي عند المحافظة
على الوحدة الوطنية، و على المناطق و القبائل و المدن و القرى و التجمعات السياسية
و الأفراد و الجماعات أن تقدم مصلحة الوطن العليا على مصالحها مهما كانت الظروف و
مهما كانت النتائج، فكلنا في مركب ليبيا العزيزة ، إما أن نبحر و إما ان نغرق
جميعاً. و لكننا نؤمن بالله و بعزيمة شعبنا و إصراره على النصر النجاح و البقاء
فوق أرضه.
و الله من وراء القصد
ناصر بن خليفة
باحث في الدراسات الإستراتيجية
11 مارس 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق